الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.فوائد لغوية وإعرابية: قال السمين:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107)}.قوله: {نُزُلًا}: فيه ما تقدَّم: من كونِه اسمَ مكانِ النزولِ، او ما يُعَدُّ للضيفِ. وفي نصبه وجهان، أحدهما: أنه خبر {كانت}، و{لهم} متعلقٌ بمحذوفٍ على أنَّه حال مِنْ {نُزُلا}، أو على البيان، أو بـ: {كانت} عند مَنْ يرى ذلك. والثاني: أنه حالٌ من {جنات}، أي: ذوات نُزُلٍ، والخبرُ الجارُّ.{خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)}.قوله: {لاَ يَبْغُونَ}: الجملةُ حالٌ: إمَّا مِنْ صاحب {خالدين}، وإمَّا من الضمير في {خالدين}، فتكونُ حالًا متداخلة.والحِوَل: قيل: مصدرٌ بمعنى التحوُّل: يُقال: حال عن مكانه حِوَلًا، فهو مصدرٌ كالعِوَج والعِوَد والصِّغَر قال:وقال الزجاج: هو عند قومٍ بمعنى الحِيلة في التنقُّل. وقال ابن عطية: والحِوَلُ: بمعنى التحوُّل قال مجاهد: مُتَحَوَّلًا وأنشد الرجز المتقدم ثم قال: وكأنه اسم جمع، وكأنَّ واحدَة حوالة قلت: وهذا غريب والمشهورُ الأولُ. والتصحيح في فِعَل هو الكثير إن كان مفردًا نحو: الحِوَل وإن كان جمعًا فالعكسُ نحو: ثِيَرة و.... {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109)}.قوله: {تَنفَدَ}: قرأ الأَخوان: {يَنْفَذَ} بالياء من تحتُ؛ لأنَّ التأنيثَ مجازي. والباقون بالتاء من فوقُ لتأنيثِ اللفظ. وقرأ السُّلمي- ورُويت عن أبي عمرو وعاصم- تَنَفَّدَ- بتشديدِ الفاءِ، وهو مُطاوَعُ نَفَّدَ بالتشديد نحو: كسَّرته فتكسَّر. وقراءةُ الباقين مطاوعُ أَنْفَدْته.قوله: {ولو جِئنا} جوابُها محذوف لِفَهْمِ المعنى تقديره: لنفِدَ. والعامَّةُ على {مَدَدًا} بفتح الميم. والأعمشُ قرأ بكسرها، ونصبُه على التمييز كقوله: وقرأ ابن مسعود وابنُ عباس {مِدادًا} كالأول. ونصبُه على التمييز أيضًا عند أبي البقاء. وقال غيرُه- كأبي الفضل الرازي-: إنه منصوب على المصدرِ بمعنى الإِمداد نحو: {أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأرض نَبَاتًا} [نوح: 17] قال: والمعنى: ولو أَمْدَدْناه بمثلِه إمدادًا.{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}.قوله: {أَنَّمَآ إلهكم}: أنَّ هذه مصدرية وإنْ كانت مكفوفةً بـ: ما. وهذا المصدر قائمٌ مقامَ الفاعلِ كأنه قيل: إنما يُوْحَى إليَّ التوحيدُ.قوله: {وَلاَ يُشْرِكْ} العامَّةُ على الياءِ مِنْ تحتُ، عُطِفَ بها على أمرٍ. ورُوي عن أبي عمروٍ {وَلاَ تُشْرِكْ} بالتاءِ مِنْ فوقُ خطابًا على الالتفات من الغَيْبة إلى الخطاب ثم التُفِتَ في قوله: {بِعِبَادَةِ رَبِّهِ} إلى الأول. ولو جيْءَ على الالتفات الثاني: لقيل: ربك. والباءُ سببية، أي: بسبب. وقيل: بمعنى في.والفِرْدوس: الجَنَّةُ مِن الكَرْم خاصة. وقيل: بل ما كان غالبُها كَرْمًا. وقيل: كل ما حُوِطَ فهو فِرْدوسٌ والجمع فراديس. وقال المبرد: الفِرْدوس فيما سمعتُ من العرب: الشجرُ الملتفُّ، والأغلبُ عليه أن يكون من العِنَب. وحكى الزجاج أنها الأَوْدِيَة التي تُنْبِتُ ضُروبًا من النَّبْت. واختُلف فيه: فقيل: هو عربيٌّ وقيل: أعجمي. وهل هو روميٌّ أو فارسيٌّ أو سُرْيانيٌّ؟ قيل: ولم يُسْمع في كلام العرب إلا في بيت حَسَّان: وهذا ليس بصحيح، لأنه سُمع في شعرِ أميةَ بنِ أبي الصلت: ويقال: كَرْمٌ مُفَرْدَسٌ، أي: مُعَرَّشٌ، ولهذا سُمِّيَتِ الروضةُ التي دونَ اليَمامة فِرْدَوسًا.وإضافةُ {جنَّات} إلى الفِرْدوس إضافةٌ تبيينٍ. اهـ. .التفسير الإشاري: .قال نظام الدين النيسابوري: التأويل:لما بين للإنسان كمالًا مكنونًا وكنزًا مدفونًا يمكن له تحصيله بالتربية والإرشاد، أراد أن يبين أن الإنسان الكامل إنما هو مستحق الخلافة في الأرض وهو ذو القرنين الذي ملك الجانبين أعني جانب عالم الأرواح وجانب عالم الأشباح، لأنه أوتي التمكين في الأرض وأتى أسباب كل شيء في عالم الوسائط والأسباب، فبذلك يصير كاملًا في نفسه مكملًا لغيره. {فأتبع سببًا} من أسباب الوصول إلى عالم السفلي وهو مغرب شمس الروحي الإنساني {فوجدها تغرب في عين حمئة} هي عالم القوى والطبائع والأجساد {ووجدنا عندها قومًا} قم القوى البدنية والنفوس الأرضية {قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذبهم} بالقتل بسكين الرياضة وسيف المجاهدة {وإما أن تتخذ فيهم حسنًا} هو الرفق والمداراة {قال أما من ظلم} بوضع خاصيته واستعمالها في غير موضعها {فسوف نعذبه} بقهره على خلاف ما هو مراده وهواه {ثم يرد إلى ربه} وهو الشيخ الكامل الذي يربيه {فيعذبه عذابًا نكرًا} هو المنع عن مشتهياته، أو يرد إلى الله تعالى فيعذبه بعذاب البعد والقطيعة.{وأما من آمن وعمل صالحًا فله جزاء الحسنى} هو مقام الوصول والوصال {وسنقول له من أمرنا يسرًا} هو التخفيف والاستراحة بعد الفناء والمجاهدة {ثم أتبع} أسباب الوصول إلى عالم الأرواح وهو مطلع شمس النفس الناطقة الإنسانية {فوجدها تطلع على قوم} مجردين عن العلائق الجسمانية والعوائق الساترة الجسدانية {حتى إذا بلغ بين السدين} وهو عالم التعيش والتمدن والجولان في جو أسباب قوام البدن وقيامه على وجه الجسمانية إلى صلاح المعاد ونظامه {وجد من دونهما قومًا لا يكادون يفقهون قولًا} وهم العوام الذين قصارى أمرهم الجهل البسيط {إن يأجوج ومأجوج} القوى والطبائع البشرية {مفسدون في الأرض} البشرية باستعمال خواصها في غير ما خلقت هي لأجلها {فهل نجعل لك مخرجًا} هو ترك الوجود وبذلك الموجود. {فأعينوني بقوة} بهمة صارفة وعزيمة صادقة {آتوني زبر الحديد} ملكات راسخة وهيئات ثابتة أو قلوبًا هن كالحديد في المضاء، وكالجبال الراسيات في البقاء {حتى إذا ساوى} عرض ما بين طرفي العمر كما قيل من المهد إلى اللحد {قال انفخوا} بالمداومة على الأذكار والأوراد {حتى إذا جعله نارًا} بتأثير حرارة الطاعة والذكر في حديد القلب {قال آتوني أفرغ عليه قطرًا} هو جوهر المحبة وكيمياء الإخلاص النافذ في سويدات القلوب بحيث لا ينفذ فيه كيد الشيطان ولا يعلوه ما سوى الرحمن الله حسبي. اهـ..قال الألوسي: ومن باب الإشارة في الآيات: قيل ذو القرنين إشارة إلى القلب، وقيل: إلى الشيخ الكامل ويأجوج ومأجوج إشارة إلى الدواعي والهواجس الوهمية والوساوس والنوازع الخيالية، وقيل: إشارة إلى القوى والطبائع والأرض إشارة إلى البدن وهكذا فعلوا في باقي ألفاظ القصة وراموا التطبيق بين ما في الآفاق وما في الأنفس ولعمري لقد تكلفوا غاية التكلف ولم يأتوا بما يشرح الخاطر ويسر الناظر، ولعل الأولى أن يقال: الإشارة في القصة إلى إرشاد الملوك لاستكشاف أحوال رعاياهم وتأديب مسيئهم والإحسان إلى محسنهم وإعانة ضعفائهم ودفع الضرر عنهم وعدم الطمع بما في أيديهم وإن سمحب به أنفسهم لمصلحتهم. وقد يقال: فيها إشارة إلى اعتبار الأسباب.وقال الأشاعرة: الأسباب في الحقيقة ملغاة وعلى هذا قول شيخهم يجوز لأعمى الصين أن يرى بقعة أندلس ومذهب السلف أنها معتبرة وإن لم يتوقف عليها فعل الله تعالى عقلا وتحقيق هذا المطلب في محله، وقوله تعالى: {الذين ضَلَّ سَعْيُهُمْ في الحياة الدنيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعا} [الكهف: 104] إشارة إلى المرائين على ما في أسرار القرآن ومنهم الذين يجلسون في الخانقاه لأجل نظر الخلق وصرف وجوه الناس إليهم واصطياد أهل الدنيا بشباك حيلهم وذكر من خسرانهم في الدنيا افتضاحهم فيها وإظهار الله تعالى حقيقة حالهم للناس:وأما خسرانهم في الآخرة فالطرد عن الحضرة والعذاب الأليم.وقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يوحى إِلَىَّ أَنَّمَا إلهكم إله وَاحِدٌ} [الكهف: 110] إشارة إلى جهة مشاركته صلى الله عليه وسلم للناس وجهة امتيازه ولولا تلك المشاركة ما حصلت الإفاضة ولولا ذلك الامتياز ما حصلت الاستفاضة.هذا ونسأل الله تعالى بحرمة نبيه المكرم المعظم صلى الله عليه وسلم أن يوفقنا لما يرضيه ويوفقنا على أسرار كتابه الكريم ومعانيه. اهـ.
|